المرأة التي سافرت لتجد نفسها

 

حكاية المرأة التي سافرت لتجد نفسها إنها ليست مجرد قصة سفر جغرافي بل هي رحلة داخلية عميقة جدا تبدأ بقرار شجاع وتتوج باكتشاف الذات الحقيقية بعيد عن الظلال المجتمعية في قلب كل امرأة تعيش صخب الحياة اليومية قد يتردد صدى نداء صامت يدعوها إلى مكان آخر ليس نداء لا يلبي بل إنه نداء التحرر من التوقعات، والابتعاد عن القيود المألوفة، والبحث عن إجابة للسؤال الأزلي: "من أنا حقاً؟" هذا البحث هو جوهر الحكاية التي نتناولها اليوم.

 المرأة التي سافرت لتجد نفسها

السفر بالنسبة للمرأة ليس مجرد ترفيه أو تغيير للمناظر المحيطة بها والمباني والشوارع بل إنه فعل تحول كبير في حياتها وروحها فغالبا ما تكون المرأة مثقلة بأدوار محددة مسبقا مثل دور الابنة والأخت والزوجة والأم والموظفة وهذه الأدوار على أهميتها قد تحجب هويتها الأساسية وعندما تقرر المرأة التي سافرت لتجد نفسها الانطلاق فإنها تختار عن وعي أن تعري ذاتها من هذه العناوين والأدوار مؤقتا حتى تصبح مجرد "مسافرة" تتحمل مسؤولية نفسها بالكامل وتتعرض لتجارب جديدة تجبرها على إعادة تعريف قيمتها وقوتها وقيم جديدة تسير على نهجها هذا التعرض المباشر للعالم يكسر القشرة المألوفة ويسمح للذات الحقيقية بالظهور.


 من هي أول امرأة سافرت حول العالم؟

عندما نتحدث عن المرأة التي سافرت لتجد نفسها لا يمكن أن نغفل الرائدات اللواتي تحدين الأعراف في زمن لم يكن فيه كثير من الأفعال متاحة للنساء بالأخص السفر وتعد الصحفية الأمريكية نيلي بلي Nellie Bly واحدة من أبرز الأمثلة التاريخية، في عام 1889 قررت بلي أن تكسر الرقم القياسي الذي وضعه جول فيرن في روايته حول العالم في ثمانين يوما لم يكن دافعها مجرد تسجيل رقم جديد بل مدونة المرأة حرصت على إثبات قدرة النساء على المغامرة والعمل الصحفي الميداني الشاق لقد سافرت بلي بمفردها محققة الرحلة في 72 يومًا فقط وكانت رحلتها تجسيد مبكر لقوة العزيمة الأنثوية وإثبات قوة إرادة المرأة حيث أثبتت أن البحث عن الإنجاز والمغامرة هو حق مكفول للمرأة وهو ما ألهم أجيالا من النساء لمتابعة رحلاتهن الشخصية.

 مثال للمرأة التي سافرت لتجد نفسها

في العصر الحديث تعد العديد من الكاتبات والمدونات مثال المرأة التي سافرت لتجد نفسها لنأخذ مثال المرأة التي تركت وظيفة مرموقة أو علاقة راكدة وحولت مدخراتها إلى تذكرة ذهاب بلا عودة إلى جنوب شرق آسيا أو أمريكا اللاتينية أو إلى أوروبا أو أي مكان تجد فيه عمق روحها حيث في هذا السياق الجديد لا تجد نفسها مضطرة لإرضاء الآخرين أو تلبية توقعات الأهل والزملاء، في قرية نائية تتعلم لغة جديدة أو تمارس رياضة لم تخطر ببالها من قبل أو تتعاطف مع ثقافة مختلفة تماما عن عادتها وتقاليدها هنا وفي لحظة عزلة صحية تكتشف أنها أقوى وأكثر مرونة مما كانت تعتقد، وأن صوتها الداخلي أصبح أعلى وأكثر وضوحا من أصوات العالم الخارجي.

 ماذا حققت المرأة التي سافرت لتجد نفسها؟

ما حققته المرأة التي سافرت لتجد نفسها يتجاوز بكثير مجرد رؤية معالم سياحية جديدة بل إنه إنجاز نفسي وعاطفي عميق للمرأة حيث يعد أهم هذه الإنجازات الاستقلال الحقيقي لأنها تعلمت كيف تحل مشكلاتها الخاصة وتدير ميزانيتها وتتخذ قراراتها الحاسمة التي لا رجعة فيها دون تردد كما أنها حققت الكثير من الأشياء مثل:

  • اكتشاف المرونة الداخلية: حيث أدركت أنها قادرة على التكيف مع الظروف الصعبة مثل فقدان الأمتعة أو التأخير أو الشعور بالوحدة.

  • تحديد الأولويات الشخصية: أتاح لها البعد عن المؤثرات اليومية تحديد ما يهمها حقا في الحياة المهنة والعائلة والقيم وليس ما يفترض أن يهمها.

  • السلام مع الذات: تخلصت من الشعور بالذنب أو النقص وتقبلت نقاط ضعفها وقوتها في سياق عالمي أوسع.

 التحرر من "متلازمة الكمال" 

إحدى المكاسب النفسية الكبيرة لـ المرأة التي سافرت لتجد نفسها هي التحرر من عبء "متلازمة الكمال" لأن المجتمع غالبا ما يضع على المرأة معايير غير واقعية للجمال والنجاح والأمومة ويجبرها السفر خاصة في الوجهات التي تختلف جذريًا عن بيئتها على العيش ببساطة وتقبل الفوضى فعندما تضطر المرأة إلى النوم في نزل بسيط، أو الأكل من عربة طعام متواضعة أو التحدث بلغة مكسورة فإنها تدرك أن السعادة لا ترتبط بالصور المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي بل بالوجود الحقيقي والتجارب الأصيلة وهذا التحرر يسمح لها بتقبل ذاتها ناقصة وغير كاملة وهو أعظم أشكال الاكتشاف الذاتي في هذه الرحلة.

إعادة تعريف الحب والعلاقات 

رحلة المرأة التي سافرت لتجد نفسها غالبا ما تؤدي إلى إعادة تقييم شاملة لكيفية ارتباطها بكل شئ حولها خاصة ارتباطها بالأشخاص فعندما تسافر المرأة بمفردها تتعلم أن تملأ فراغها العاطفي بنفسها أولا وتدرك أن سعادتها ليست مرهونة بوجود شريك أو بتأكيد من المحيطين بها وهذا التحرر يغير من طريقة اختيارها للأشخاص حيث تبدأ بالبحث عن علاقات قائمة على التكافؤ والاحترام المتبادل بدلا من الاعتماد على وجود شخص لمجرد وجوده حتى العلاقات التي كانت تثقل كاهلها قد ترى بوضوح أكبر من مسافة آمنة مما يمكنها من العودة إما لإنهاء تلك العلاقات بطريقة صحية غير مؤذية لنفسها وغير نادمة أو إعادة بنائها على أسس أكثر صلابة وذاتية.



العودة بقوة جديدة 

لا تنتهي رحلة المرأة التي سافرت لتجد نفسها بالضرورة بالبقاء في الخارج بل تنتهي غالبا بالعودة إلي نفس المكان الأم ونفس الأشخاص ولكن بروح جديدة لأنها لا تعود كما ذهبت، المرأة العائدة هي امرأة مسلحة بالصبر والمرونة والمعرفة الذاتية ولقد استبدلت الشك بالثقة والخوف بالمغامرة، عند عودتها تبدأ في تطبيق ما تعلمته على محيطها القديم  وتتغير طريقة تعاملها مع ضغوط العمل ومعاركها اليومية في تربية الأطفال أو حتى طريقة تفاعلها مع أسرتها فلقد أصبحت مصدر قوتها نابعة من الداخل لا من تأكيد الآخرين، إنها قادرة الآن على قول "لا" للتوقعات التي لا تخدمها، و"نعم" للحياة التي ترغب في خلقها.

 السفر كحوار فلسفي 

بالنسبة إلى المرأة التي سافرت لتجد نفسها يتحول السفر إلى حوار فلسفي عميق مع الوجود فعندما توضع في بيئة غريبة وخالية من أي دعم مألوف، تضطر إلى مواجهة أسئلة وجودية بسيطة ومعقدة في آن واحد: "ماذا يعني أن تكون إنسانا؟" و "ما هي مسؤوليتي تجاه هذا العالم؟" في العزلة، بعيدا عن ضجيج التكنولوجيا والمعارف تصبح كل لحظة تأمل، وكل لقاء عابر بمثابة درس في الفلسفة العملية وهذا السفر الروحي يحررها من التعريفات المسبقة ويجعلها تعيد صياغة عقودها الاجتماعية والشخصية مؤمنة بأن المعنى الحقيقي للحياة ينبع من الداخل وليس من الخارج.



في نهاية الرحلة كل المرأة التي سافرت لتجد نفسها هي دليل حي على أن الاكتشاف الحقيقي لا يكمن في رؤية معالم العالم بل في اكتشاف القارة الداخلية للذات حيث إنها رحلة ضرورية للنمو حيث يعود المسافر ليس فقط بشيء من الخارج بل بقوة جديدة للذات ورؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه حياته.


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق